كشف الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، عن أحدث مقترح لإيقاف الحرب مع روسيا، يتضمن 20 نقطة تم التفاوض بشأنها مع الولايات المتحدة التي نقلتها بدورها إلى الجانب الروسي، وسط ترجيح أن لا تحظى الخطة بموافقة موسكو.
في التفاصيل، يُعدّ هذا الاقتراح جزءاً من خطة سلام منقحة من 20 نقطة وضعتها أوكرانيا والولايات المتحدة خلال الأسابيع الماضية وقدّمها زيلينسكي للصحافيين في كييف الثلاثاء. وتشمل الخطة مجموعة واسعة من القضايا، من الترتيبات الإقليمية المحتملة إلى الضمانات الأمنية التي تطالب بها كييف لمنع أي هجوم روسي مستقبلي، إضافة إلى خطط إعادة إعمار البلاد المدمّرة بفعل الحرب.
الجديد في هذه الخطة، أو أبرز ما فيه، هو محاولة تحويل النزاع العسكري إلى مشروع اقتصادي مشترك، تحت إشراف مجلس للسلام بإدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لتنظيم الاستثمارات في صندوق خاص للتنمية من المفرض أن تبلغ إيداعاتها النهائية 800 مليار دولار تمهيدا لإعادة إعمار أوكرانيا.
على ان أكبر نقطة خلافية هو طريقة تخلي أوكرانيا عن منطقة صغيرة ما تزال تسيطر عليها من دونيتسك، وتطالب روسيا بها كاملة. المقترح الأوكراني يوافق على الانسحاب منها لكن مقابل أن تنسحب روسيا في المقابل من مساحة توازي المنطقة التي تسيطر عليها أوكرانيا، ثم نشر قوات دولية هناك وتحويلها إلى منطقة اقتصادية حرة منزوعة السلاح.
وأضاف زيلينسكي أن هذا المقترح، إلى جانب العناصر الأخرى ضمن خطة من 20 نقطة، سيُطرح في استفتاء شعبي.
وتُعدّ الخلافات الإقليمية عبر إقليم دونباس من أبرز العقبات في النسخة الأحدث من خطة إنهاء الحرب التي أُعدت بالتعاون مع الولايات المتحدة. وتخشى كييف أن يؤدي التخلي عن مواقع مُحصّنة في المنطقة إلى تسهيل شنّ روسيا هجمات جديدة. وقد جرت محاولات متعددة لتجاوز هذه المعضلة، لكنها جميعاً باءت بالفشل.
وتشمل القضايا الخلافية الأخرى مسألة السيطرة على محطة زابوروجيا النووية، الأكبر في أوروبا، والتي تسيطر عليها روسيا حالياً.
وقال زيلينسكي إن كييف باتت متوافقة إلى حد كبير مع واشنطن بشأن الخطة، لكنها ترى أن اجتماعاً مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب ضروري لحسم بعض النقاط العالقة. وأوضح أنه مستعد أيضاً لشرح موقف أوكرانيا للجانب الروسي.
وترغب روسيا في أن تنسحب أوكرانيا من أراضٍ داخل إقليم دونيتسك كجزء من أي اتفاق لإنهاء الحرب، لكن كييف كانت تقول سابقاً إنها لا تملك «حقاً أخلاقياً» أو «هامشاً دستورياً» للتخلي عن أراضٍ أوكرانية. وتسعى الولايات المتحدة إلى إيجاد حل وسط عبر إنشاء «منطقة اقتصادية حرة» في الإقليم.
وقال زيلينسكي إن «الخيار الأكثر عدلاً» هو بدء المحادثات مع روسيا على أساس خطوط التماس الحالية، وليس عبر انسحاب أحادي الجانب، مشيراً إلى أنه إذا انسحبت القوات الأوكرانية من بعض المناطق، فعلى روسيا أيضاً أن توافق على الانسحاب من مناطق مقابلة.
وأكد زيلينسكي أن أي مقترح لإنشاء مناطق اقتصادية حرة يجب أن يحظى بموافقة الشعب الأوكراني عبر استفتاء يشمل الصفقة بأكملها. وقال: «لن يقرر ذلك سوى الاستفتاء، إذا كان الخيار المطروح أمام أوكرانيا هو… إما هذا، أو الحرب».
وإذا وافق الأوكرانيون على المقترح، فسيكون هناك اتفاق منفصل لتحديد كيفية إدارة المنطقة الاقتصادية ومن سيتولى حكمها، على حد قول زيلينسكي، مضيفاً أن كييف تتوقع إدارة المناطق التي ستنسحب قواتها منها.
وحذّرت كييف في السابق من احتمال تسلل روسيا إلى أي منطقة منزوعة السلاح. وقال زيلينسكي إن نشر قوات دولية على الأرض سيكون ضرورياً لضمان مراقبة الالتزام بالاتفاق داخل تلك المنطقة.
وقال زيلينسكي إنه يتوقع تلقي رد مساء الأربعاء بعد مناقشة الجانب الأميركي النسخة الأحدث من مقترح السلام مع روسيا.
كما قال إن السيطرة على محطة زابوروجيا النووية يمكن حلّها أيضاً عبر إنشاء منطقة اقتصادية في جنوب أوكرانيا، إذا وافقت روسيا على الانسحاب من المحطة والمناطق المحيطة بها.
وترغب كييف في إدارة المحطة بالتعاون مع الولايات المتحدة. وتطرح واشنطن ترتيباً ثلاثياً يشمل روسيا، بحيث تعمل الولايات المتحدة كمدير رئيسي للمشروع المشترك. لكن زيلينسكي أكد أنه لم يتم التوصل إلى توافق حول هذه النقطة حتى الآن.
ورغم ذلك، فإن التنازلات الأوكرانية المقترحة إذا وافقت الولايات المتحدة عليها كاملة—من المرجح أن ترفضها موسكو وفق تحليل لصحيفة نيويورك تايمز. فالكرملين يؤكد أن هدفه الأساسي هو السيطرة العسكرية الكاملة على دونيتسك، سواء عبر الميدان أو عبر التفاوض، كما يرفض تماماً فكرة إعادة المحطة النووية إلى السيطرة الأوكرانية. وأطلق مسؤول كبير في الكرملين تصريحات متشائمة نهاية الأسبوع، واصفاً أحدث المحادثات الأميركية–الأوكرانية بأنها «غير بنّاءة إلى حد كبير».
وأبدى زيلينسكي تفاؤلاً حذراً بأن موسكو لن ترفض الاقتراح بشكل صريح خوفاً من إثارة غضب الرئيس الأميركي دونالد ترامب. وأضاف أنه في حال عرقلت روسيا المسار، فعلى واشنطن أن ترد بقوة.
وقال: «لا يمكنهم أن يقولوا للرئيس ترامب: نحن ضد التسوية السلمية. فإذا حاولوا عرقلة كل شيء، فعلى الرئيس ترامب حينها أن يسلّحنا بقوة، ويُفرض عليهم جميع أنواع العقوبات».
وخلال حديثه، كان زيلينسكي يقرأ من رزمة وثائق تتضمن المقترح، إلى جانب ملاحق منفصلة حول الضمانات الأمنية وإعادة إعمار ما بعد الحرب. وقد وُضعت خطوط حمراء تحت عدد من الجمل التي قال إنها كانت محل أكثر النقاشات حساسية.
وتُعدّ السيطرة على دونيتسك العقدة الأساسية في أي اتفاق سلام، وقد طُرحت خلال الأشهر الماضية عدة مقترحات متنافسة. ففي البداية، عرضت روسيا مقايضة أراضٍ احتلتها في مناطق أخرى من أوكرانيا مقابل الجزء من دونيتسك الذي لم تسيطر عليه بعد. ورفضت كييف المقترح، مؤكدة أنها لا تستطيع التنازل عن أراضٍ غير محتلة.
وفي الشهر الماضي، تضمّن مقترح سلام وضعته روسيا والولايات المتحدة انسحاب القوات الأوكرانية من مناطق دونيتسك التي تسيطر عليها حالياً وتحويلها إلى منطقة منزوعة السلاح.
أما المسودة الجديدة التي كشف عنها زيلينسكي، فتطرح توسيع فكرة المنطقة المنزوعة السلاح لتشمل ليس فقط المناطق التي تخليها القوات الأوكرانية، بل أيضاً المناطق التي ستنسحب منها القوات الروسية.
وشدد زيلينسكي على أن أي انسحاب أوكراني يجب أن يقابله انسحاب روسي مماثل، رغم أن حجم المنطقة المقترحة لا يزال غير واضح. وفي دونيتسك، قد تشمل المنطقة منزوعة السلاح مدينتي كراماتورسك وسلوفيانسك، وهما آخر حزام دفاعي رئيسي لجيش أوكرانيا في الشرق. وستُدار المنطقة بوساطة قوات دولية تفصل بين الجانبين.
وتنص الخطة كذلك على أن تجري أوكرانيا انتخابات «في أقرب وقت ممكن» بعد توقيع اتفاق السلام. وتجدر الإشارة إلى أن المدة الدستورية لولاية زيلينسكي انتهت في مايو من العام الماضي، لكنها مُدّدت بموجب قوانين الأحكام العرفية المعمول بها منذ الحرب عام 2022.
ووصف زيلينسكي المناطق المنزوعة السلاح المحتملة بأنها «منطقة اقتصادية حرة». ورغم أن الجدوى الاقتصادية لهذه المناطق المنكوبة لا تزال غامضة، فإن هذه العبارة تبدو مصاغة بطريقة تستهدف جذب اهتمام ترامب، ذي العقلية التجارية، وكذلك الشركات الأميركية المهتمة بالثروات المعدنية الأوكرانية قرب خطوط الجبهة.
وقال الرئيس الأوكراني إن منطقة اقتصادية حرة يمكن إنشاؤها أيضاً حول المحطة النووية الخاضعة لسيطرة روسيا في مقاطعة زابوريجيا الجنوبية. والمحطة متوقفة عن العمل منذ 2022، لكنها الأكبر في أوروبا، ولديها قدرة على توليد 6 غيغاواط من الكهرباء، ما يمنحها أهمية اقتصادية ضخمة.
وأشار زيلينسكي إلى أن الولايات المتحدة اقترحت أن تتقاسم واشنطن وكييف وموسكو السيطرة والأرباح من المحطة، لكنه أوضح أن كييف لا تستطيع الدخول في تجارة طاقة مع موسكو. لذلك، يقترح المشروع الجديد تشغيل المحطة كمشروع مشترك بين كييف وواشنطن فقط—وهو عرض يُرجح أن ترفضه موسكو.
وتتضمن أجزاء أخرى من الخطة بنوداً أكثر ارتباطاً بالمصالح الاقتصادية الأميركية ضمن مساعي إعادة إعمار أوكرانيا. وتشمل إنشاء صندوق استثماري جديد لتمويل إعادة الإعمار، تشارك فيه شركات أميركية في مشاريع داخل البلاد، لا سيما في قطاع الطاقة. ويتوقع أن يجتذب الصندوق مزيجاً من المستثمرين الحكوميين والخاصين، على أن تساهم الولايات المتحدة بنحو 100 مليار دولار، والاتحاد الأوروبي بالمبلغ نفسه. لكن مصادر التمويل لم تُحسم بعد. وتهدف العملية برمتها إلى جمع ما يصل إلى 800 مليار دولار لإعادة بناء أوكرانيا.
وتتضمن الخطة أيضاً الضمانات الأمنية التي تطلبها أوكرانيا، وتشمل:
عضوية الاتحاد الأوروبي
دعم عسكري أوروبي
ضمانات أمنية ثنائية من الولايات المتحدة
وقال زيلينسكي إن الدعم العسكري الأوروبي سيأتي من «تحالف الراغبين»، وهو مجموعة من نحو 30 دولة تعهدت بدعم أمن أوكرانيا بعد الحرب في الجو والبر والبحر. وقد يشمل ذلك نشر قوات أوروبية داخل أوكرانيا—وهو أمر تعتبره موسكو غير مقبول إطلاقاً.