سعودي لم يدرس الاقتصاد كتخصص أكاديمي، ولكنه عمل في قطاعات يعد الاقتصاد لديها محور عملها، فعلاقته بالاقتصاد علاقة شغف وحب واستطلاع، حتى احترف فهم كيف يؤثر الاقتصاد على حياة البشر، ليكون اليوم عضواً في مجلس إدارة الجمعية المالية السعودية.
عبدالله الربدي الذي عرف الاقتصاد السعودي بأنه اقتصاد قائم على سلعة واحدة وهي البترول، كما يتم تصنيفه كاقتصاد ريعي، ليقول في حواره مع العربية.نت إن الاقتصادات الريعية تطلق إذا كان الاقتصاد قائما على سلعة واحدة ويعتمد بشكل كبير على الحكومة والإنفاق الحكومي، ولكن رؤية المملكة 2030 أُطلقت لتحويل هذا الاقتصاد الريعي إلى اقتصاد أكثر إنتاجية وتنوعاً وأقل اعتمادا على النفط، بالإضافة إلى تقليل حجم الحكومة داخل الاقتصاد حتى يعتمد الاقتصاد بشكل أكبر على تنوع الإنتاجية والقطاع الخاص، وذلك في توليد الوظائف والتصدير وزيادة الميزان التجاري وحساب المدفوعات.
حديث طويل، وأسئلة وقفت أمام الربدي تحكي عن الجمعية المالية السعودية، وعن التحول الاقتصادي في السعودية، وعن الإصلاحات التي قادتها رؤية المملكة 2030.
- أنت عضو في مجلس إدارة الجمعية المالية السعودية.. هل بالإمكان أن تعطينا لمحة عن الجمعية؟ وما هو الدور الذي تقوم به؟
هدف الجمعية المالية أن تكون مرجعية متخصصة ومؤثرة بشكل فعال في صناعة قرارات القطاع المالي والنقدي بالسعودية، وكيفية علاقتها بالاقتصاد الكلي، بالإضافة إلى التحليل وإبداء الرأي المستقل، واقتراح بدائل وحلول للسياسات المالية العامة ودراسة تأثيرها على القطاع المالي والنقدي والرفاه الاقتصادي.
التحول الاقتصادي
- اليوم ولله الحمد تقود السعودية أكبر تحول اقتصادي في القرن الواحد والعشرين.. احكِ لنا عن ذلك؟
السعودية هي البلد الأبرز في منطقة الشرق الأوسط والعالم التي تحمل رؤية واضحة ومحددة المعالم في كل الاتجاهات المختلفة، لخدمة الإنسان والوطن والاقتصاد، فانطلاق عملية تحول المملكة جعل جميع دول العالم تتحدث عنها، كما صدرت العديد من التقارير الغربية والعربية والمحلية عما يحدث في المملكة من تحولات اقتصادية كبيرة جدا.
في العادة هذه التحولات تأخذ وقتا طويلا حتى تظهر آثارها الإيجابية بشكل كامل وواضح، ولكن ولله الحمد بفضل قيادتنا الحكيمة أصبحنا نرى جزءا من هذه الآثار على أرض الواقع بعد 5 سنوات من إطلاق الرؤية، مما يثبت لنا أن خطوات المملكة في الطريق الصحيح وبدأت تؤتي ثمارها بالشكل المطلوب.
الإصلاحات
- إصلاحات كبيرة، برامج تنفيذية، ارتفاع الضريبة، إطلاق تشريعات جديدة، تطورات حدثت في السعودية خلال الخمس سنوات الماضية.. كيف يراها الاقتصادي عبدالله الربدي؟
ما حصل في السعودية من ارتفاع في ضريبة القيمة المضافة، والإصلاح الاقتصادي، وبرامج التوازن المالي، والتشريعات القضائية والعدلية هي إصلاحات مهمة وضرورية، وفي حد ذاتها تعتبر قفزات سريعة ومتسارعة، والسبب وراء ذلك أننا اليوم لا نملك الوقت والرفاهية الكافية لتأخذ هذه الخطوات مدة زمنية طويلة حتى ننفذها، بل يجب علينا أن نعمل عليها سريعاً، هذا بالإضافة إلى أننا نعيش بوقتنا الحالي في وضع تنافسي كبير ما بين دول العالم، وهو ما دعا المملكة لسرعة التنفيذ لهذه الإصلاحات الاقتصادية.
- ما الذي يدفع السعودية للقيام بمثل هذه الإصلاحات؟
ما يدفع السعودية لهذه الإصلاحات السريعة، هو التطورات التي تحدث في العالم، فاستغلال القوى الموجودة لدى السعودية غير المستغلة عامل مهم وأساسي لاستقرار المملكة، بالإضافة إلى زيادة النمو السكاني، وارتفاع نسبة البطالة لدى الشباب.
فالإنفاق العالي ودور الحكومة في الاقتصاد لا يتنامى مع متطلبات أسواق النفط وإيرادات الدولة، ووجود بطالة عالية، جميعها تتطلب غربلة شاملة للاقتصاد والجهاز الحكومي ليكون أكثر مواءمة واستعدادا لما هو آتٍ في المستقبل.
ونحن اليوم نعيش أمام تحديات كبيرة قادمة من المستقبل، فإذا لم يتم معالجتها من اليوم، فسنكون أمام صدمات مالية واقتصادية واجتماعية يصعب في وقتها معالجتها، فما يحدث اليوم من إصلاحات هو متطلب لما سيحدث في المستقبل من تحديات وصعوبات.
استقرار اقتصاد السعودية
- كيف يمكن للاقتصاد السعودي أن يكون مستقراً؟
الاقتصاد السعودي سيكون مستقراً إذا كان هناك تنوع في القاعدة الإنتاجية الاقتصادية، فالسعودية خلال 30 سنة ماضية أثناء اعتمادها على النفط كمصدر رئيسي للاقتصاد، كان هناك صعوبات تواجهها مع كل تذبذب يحدث في أسواق النفط، فمع الارتفاعات يزيد الإنفاق الحكومي وتتولد الوظائف، ويعيش الناس برفاهية، ومع الانخفاضات يقل الإنفاق الحكومي وتكثر البطالة وتتعطل المشاريع، فلو استطاعت السعودية زيادة القاعدة الإنتاجية وفتح قطاعات جديدة وواعدة، سيصبح مستقراً حتى لو انخفضت أسعار النفط.
- كورونا وأثره على الاقتصاد.. احكِ لنا عن ذلك، وهل سيتعافى الاقتصاد قريباً؟
جائحة كورونا أثرت على الاقتصاد بشكل كبير، حيث مركز تأثيرها الأكبر في توقف الإنتاج في المصانع، وتقديم الخدمات في كثير من القطاعات المختلفة، مما أدى إلى زيادة نسبة البطالة وقلة الدخل للمواطن، وأما آثارها التي لا زالت باقية حتى الآن، فهي عدم القدرة الإنتاجية لدى العالم لمواكبة الطلب الذي عاد سريعاً بعد جائحة كورونا، وبالتالي أصبح لدينا مشكلة تأخر الإنتاج في تلبية الطلب العالمي، مما ساهم في ارتفاع التضخم العالمي، بالإضافة إلى أسعار المنتجات بشكلها الحالي.
زيادة الاستثمارات
- ماذا ينقص الاقتصاد السعودي؟
زيادة الاستثمارات في قطاع الخدمات والتصنيع، فقطاع الخدمات يعد أكبر مولد للوظائف، مما يساهم في تخفيض نسبة البطالة داخل البلد، بالإضافة إلى السياحة الداخلية، فالسياحة جاذبة للعملة الصعبة وهي الدولار، وأما قطاع التصنيع فهو يزيد من اعتمادية السعودية على الإنتاج المحلي وهو الهدف الذي تسعى المملكة إلى تحقيقه وفق رؤية 2030 لرفع نسبته بناءً على المستهدفات.
- اليوم صندوق الاستثمارات العامة يقوم بدور كبير لتنويع مصادر الدخل للسعودية، كيف تقيّم أداء الصندوق بمحافظه المختلفة؟
أداء صندوق الاستثمارات العامة أكثر من رائع، والدليل على ذلك ارتفاع العائد على الاستثمارات بأكثر من الضعف، كما لا يمكن أن نقيس نجاح هذه الاستثمارات في مدة زمنية قصيرة، بل يجب النظر لها على مدة زمنية أطول في حدود الـ 7 سنوات من مدة الاستثمارات حتى يتم الحكم عليها بشكل أفضل، ولكن الاستراتيجية التي يتبعها الصندوق والتوازن الذي يعمل عليه في وضع استثمارات خارجية وداخلية هي استراتيجية مناسبة، ولعل ما حدث ما بين روسيا وأوكرانيا أعطى تنبيها حول أهمية تنويع الاستثمارات لتجنب الكثير من المخاطر.
- "قناص الفرص" لقب يُطلق على صندوق الاستثمارات العامة كونه يعمل على اقتناص الفرص الاستثمارية الواعدة.. برأيكم ما هي أهم وأنجح فرصة استثمارية اقتنصها صندوق الاستثمارات العامة، ولماذا؟
أفضل فرصة اقتنصها الصندوق هو في دخوله الأسواق الأميركية أثناء النزول، وخصوصاً على الشركات التي تأثرت بشكل كبير بسبب طبيعة الإغلاقات التي حدثت بسبب جائحة كورونا، وهي فرصة مثيرة للإعجاب رغم الانتقادات التي كان يواجهها الصندوق من البعض إلا أنه أثبت أن القرار كان صائبا وموفقا.
- إذا أردنا أن ننافس دول العالم عالمياً، كيف يمكننا تحقيق ذلك؟
القدرة على التصدير ومنافسة منتجاتنا في الأسواق العالمية، وبإمكاننا أن ننجح في صناعة معينة وندعمها حتى تنمو، ولكن من المهم أن تكون هذه الصناعة قادرة على المنافسة، بالإضافة إلى خلق قطاعات سياحية قادرة على منافسة الوجهات السياحية الموجودة حول العالم.
- ما هي القطاعات الواعدة التي من المتوقع أن يكون لها مستقبل قوي وواعد بنظرة الاقتصادي عبدالله الربدي؟
القطاعات الواعدة في المستقبل ستكون من نصيب الصناعات المتخصصة، والصناعات العسكرية، وكذلك القطاعات التقنية والسياحية والترفيه.
- اليوم كثير من الناس يعيشون في حالة تخوف من التضخم، بوجهة نظرك ما هو التضخم، وكيف تشرحه؟ وما انعكاسه على المجتمع؟
التضخم عن عبارة عن حالة من ارتفاع الأسعار عن أسعارها في السنة الماضية، ويقاس بسلم من المنتجات والخدمات، وكذلك يعبر عنه في نفس الوقت هو انخفاض في القوة الشرائية للعملة.
وأما فيما يتعلق بانعكاسه على المجتمع، فإذا تعدى مراحله الطبيعية فيعتبر خطيرا لأنه يسبب تآكلا للقوة الشرائية، ومدخرات العوائل متوسطة الدخل، ولذلك الاقتصاديات تحاول أن تتحكم بالتضخم وتجعله تحت نطاق معقول بحيث يكون في حدود 2٪ تجنباً لمخاطره.
- اليوم توجد حرب قائمة بين روسيا وأوكرانيا.. ما مخاوف الاقتصاديين من هذه الحرب؟
هناك أكثر من مخاوف في الحرب ما بين روسيا وأوكرانيا، منها نقص الإمدادات على مستوى العالم فيما يتعلق بالطاقة والغذاء، والتي قد تحدث ربكة في سلاسل الإمداد وأسعار الطاقة.
- هل الحرب ستؤثر على الاقتصاد السعودي؟ وكيف؟ وكيف نتجنب ذلك؟
جغرافياً نحن بعيدون جدا عن مواقع الحرب، ولا يوجد بيننا وبين الاتحاد الأوروبي تحالفات، بالتالي لا يوجد تأثير علينا بشكل مباشر، ولكن التأثيرات غير المباشرة تعود إلى ارتفاع أسعار النفط.
- ما هي توصياتك ونصائحك التي توجهها للمسؤولين الحكوميين المعنيين بتطوير الاقتصاد السعودي؟
الاهتمام ببيئة الأعمال وتحسينها، والاستماع إلى المستثمرين فيما يبدونه من آراء حول التحديات التي يواجهونها، وذلك لضمان تدفق الاستثمارات، وزيادة توليد الوظائف، إلى جانب الحرص على الطبقة المتوسطة وما دون المتوسطة وزيادة شبكة الأمان الاجتماعي وحمايتهم ضد مخاطرة التضخم.