2025/10/26
هل ستعاود أسعار الذهب الصعود؟

 

أثارت مشاهد طوابير المشترين أمام محال الذهب على منصات التواصل الاجتماعي في عدة دول حول العالم مخاوف كبار المتعاملين في سوق المعادن الثمينة، على الرغم من أن أغلب المحللين لا يزالون يعدلون توقعاتهم الصعودية للمعدن الأصفر.

 

في الأسبوع الأول من أكتوبر، حذرت رئيسة قسم الأبحاث في شركة "إم كيه إس بامب" لتكرير المعادن الثمينة، نيكي شيلز، من أن الذهب أصبح "تجارة مزدحمة ومبالغاً فيها بكل المقاييس الفنية". وبعد أيام، ومع وصول الأسعار إلى مستويات قياسية قاربت 4400 دولار للأونصة، أطلق مارك لوفرت، المتداول في "هيراوس بريشوس ميتالز"، تحذيراً جديداً: "الذهب بات أكثر تشبعاً بالشراء".

 

وجاءت الصدمة الأسبوع الماضي، حيث هوت أسعار الذهب بنسبة بلغت 6.3% يوم الثلاثاء، في أكبر تراجع يومي منذ عام 2013، واستمرت الخسائر حتى نهاية الأسبوع لتغلق عند 4113.05 دولار للأونصة، بتراجع أسبوعي بلغ 138.77 دولار، من بين الأكبر في تاريخ المعدن الأصفر.

 

لكن السؤال الذي يطرح نفسه: هل هذه بداية نهاية موجة الصعود الطويلة للذهب، أم مجرد تصحيح مؤقت؟

 

في حي الحي الصيني بالعاصمة التايلاندية بانكوك، حيث يعد مركز تجارة الذهب في البلاد، كانت الإجابة واضحة بالنسبة لسونيسا كودكاسورن، عاملة في مصنع نسيج تبلغ من العمر 57 عاماً. قالت بثقة: "الذهب هو أفضل استثمار. جمعنا كل ما نملك وجئنا اليوم لأننا علمنا أن الأسعار انخفضت".

 

ولم تكن وحدها. من سنغافورة إلى الولايات المتحدة، أفاد تجار الذهب لوكالة "بلومبرغ" بأنهم شهدوا موجة من الإقبال على الشراء مع انخفاض الأسعار. لكن محاولة كودكاسورن لاقتناص الفرصة باءت بالفشل، إذ نفدت السبائك ذات الأحجام الصغيرة التي تستطيع تحمل تكلفتها.

 

وفي كيوتو اليابانية، تتجه الأنظار إلى أكبر مؤتمر سنوي للمعادن الثمينة، حيث يتوافد نحو ألف من المتداولين والوسطاء والمصنعين المحترفين. وعلى الرغم من الحذر الذي أبدوه خلال موجة الصعود الأخيرة، فإن الحماس لا يزال حاضراً، مع تسجيل المؤتمر لأعلى نسبة حضور في تاريخه.

 

وقالت شيلز في مذكرة جديدة الأسبوع الماضي: "الأسواق الصاعدة تحتاج دائماً إلى تصحيح صحي يزيل الفقاعات ويضمن استمرارية الدورة. من المتوقع أن تستقر الأسعار وتعود إلى مسار صعودي أكثر توازناً".

 

من باع الذهب؟

وقد بلغ سعر الذهب ذروته عند 4381 دولاراً للأونصة يوم الاثنين، لكن تصحيح عنيف يوم الثلاثاء قاد المعدن الأصفر للتراجع بأكثر من 6%.

 

ولم يظهر سبب واضح لهذا الهبوط المفاجئ، فبينما أشار بعض المتداولين إلى عمليات جني أرباح من صناديق التحوط، تحدث آخرون عن بيع من قبل بنوك صينية.

 

لكن المتخصصين في الذهب كانوا يتوقعون هذا الانعكاس منذ فترة، خاصة بعد أن قفز المعدن بنسبة 30% خلال شهرين فقط، فوق مستوياته القياسية السابقة.

 

وفي بورصة "كوميكس" بنيويورك، ارتفع الاهتمام بعقود الخيارات الهبوطية على الذهب إلى مستويات لم تسجل منذ الأزمة المالية العالمية عام 2008. وأعرب مدير أحد صناديق التحوط المتخصصة في السلع عن إحباطه، إذ لم يتمكن من الاستفادة الكاملة من موجة الصعود رغم إيمانه الطويل بالذهب، لأنه بدأ المراهنة على التصحيح مبكراً.

 

سيناريو 2011 حاضر وسط تجاهل المحللين

ومع ذلك، لا يزال من الصعب العثور على محلل متشائم في سوق الذهب، فمعظم التوقعات خلال العامين الماضيين كانت صعودية، وإن لم تكن صعودية بما يكفي. ففي استطلاع أجرته رابطة سوق لندن للسبائك مطلع العام، توقع جميع المحللين تقريباً ارتفاع الأسعار، لكن لم يتوقع أي منهم أن تتجاوز 3300 دولار خلال 2025.

 

وقال غريغوري شيرر من "جي بي مورغان تشيس": "نتوقع أن يقابل المستثمرون الذين يبيعون لجني الأرباح موجة شراء من أطراف أخرى، مثل البنوك المركزية والمشترين الفعليين، مما سيحد من عمق التصحيحات".

 

لكن تاريخ الذهب يدعو إلى الحذر. ففي سبتمبر 2011، بلغ الذهب مستوى 1921 دولاراً للأونصة قبل أن يتراجع، رغم أن مؤتمر "LBMA" آنذاك شهد تفاؤلاً شبه جماعي. واستغرق الأمر 9 سنوات ليعود الذهب إلى ذلك المستوى.

 

وقد غذى موجة الصعود الأخيرة عمليات شراء مكثفة من البنوك المركزية، خاصة بعد العقوبات المفروضة على البنك المركزي الروسي عام 2022، إلى جانب المخاوف من مستويات الدين الحكومي غير المستدامة حول العالم.

 

وحذر شيرر من أن تراجع البنوك المركزية عن الشراء قد يشكل الخطر الأكبر على توقعاته المتفائلة، التي ترى أن الذهب سيبلغ متوسطاً يفوق 5000 دولار في الربع الأخير من العام المقبل.

 

لكن ما زاد من وتيرة الارتفاع مؤخراً هو دخول المستثمرين الأفراد بقوة، خاصة بعد محاولة الرئيس الأميركي دونالد ترامب عزل حاكمة الاحتياطي الفيدرالي ليزا كوك، ما دفع الناس إلى التهافت على شراء الذهب، حتى نفدت الكميات من بعض المتاجر، وارتفعت الاستثمارات في الصناديق المتداولة إلى مستويات غير مسبوقة.

 

وفي أبرز مراكز شراء الذهب حول العالم، لم تظهر الأسعار المنخفضة هذا الأسبوع أي تأثير سلبي على حماس المشترين. ففي حين أفاد بعض التجار بانخفاض طفيف في الطلب بعد شهرين من النشاط المحموم، أكد آخرون أنهم سجلوا مبيعات قياسية.

 

وقال نائب الرئيس التنفيذي لشركة "بوليون ستار" في سنغافورة بيت والدن: "كان يوم الثلاثاء أكثر أيامنا ازدحاماً على الإطلاق. كان هناك طابور قبل فتح الأبواب، وعدد المشترين فاق عدد البائعين بكثير. أعتقد أن الكثيرين رأوا في الانخفاض فرصة للشراء".

 

وفي الولايات المتحدة، قال ستيفان غليسون من شركة "موني ميتالز إكستشينغ" إن شركته تلقت طلبات شراء تفوق قدرتها على الاستجابة.

 

أما في حي غينزا الراقي بطوكيو، فقد وصل الطالب الفيتنامي هانغ فييت، في العشرينات من عمره، إلى أحد فروع مجموعة "تاناكا بريشوس ميتالز" على أمل شراء سبيكة ذهب صغيرة.

 

وقال بثقة: "أعتقد أن أسعار الذهب ستواصل الارتفاع على المدى الطويل. رأيت في هذا الانخفاض فرصة لا تفوت".

تم طباعة هذه الخبر من موقع الشبكة العربية للأنباء https://www.arabnn.news - رابط الخبر: https://www.arabnn.news/news77668.html