اكتشف باحثون من معهد فرانسيس كريك في لندن بالتعاون مع شركة فيفيديون ثيرابيوتكس الأمريكية علاجاً جديداً قد يُحدث تحولاً في طريقة مواجهة السرطان، إذ تمكنوا من وقف نمو الأورام دون التأثير في الخلايا السليمة، وهو إنجاز طال انتظاره في عالم الطب.
يركز العلاج على تعطيل تفاعل جين RAS، أحد أكثر الجينات ارتباطاً بالسرطان، مع إنزيم رئيسي يُعرف باسم PI3K، المسؤول عن إرسال إشارات تحفز نمو الخلايا وانقسامها.
عادةً ما تؤدي الطفرات في جين RAS إلى بقائه في حالة نشاط دائم، مما يسبب نمواً غير متحكم به في الخلايا، وهو ما يُلاحظ في نحو 20% من السرطانات.
تكمن صعوبة العلاج في أن الإنزيمات التي يتحكم بها RAS، مثل PI3K، ضرورية أيضاً لعمليات طبيعية في الجسم كتنظيم سكر الدم عبر الأنسولين، لذلك، فإن تعطيل هذه المسارات كلياً قد يؤدي إلى آثار جانبية خطيرة، مثل ارتفاع مستويات الجلوكوز.
في دراستهم المنشورة في مجلة Science بتاريخ 9 أكتوبر 2025، استخدم العلماء تقنيات فحص كيميائي متقدمة لتحديد مركبات صغيرة الحجم تمنع ارتباط RAS بـPI3K دون أن تعطل الوظائف الأخرى للإنزيم. تمكّنت هذه الجزيئات من الالتصاق بسطح PI3K في موقع محدد، ما يحول دون تلقيه إشارات النمو من RAS، بينما تبقى عملياته الحيوية الأخرى نشطة.
اختبارات على الفئران
اختُبر المركب الجديد على فئران مصابة بسرطانات الرئة والثدي الناتجة عن طفرات في RAS، وأظهرت النتائج أنه أوقف نمو الأورام من دون أي آثار جانبية أو ارتفاع في سكر الدم، وعند دمجه مع أدوية أخرى تستهدف المسار ذاته، زادت فعاليته واستمر تأثيره لفترة أطول.
كما أثبت المركب فعاليته ضد أورام تحتوي على طفرات في جين HER2، المعروف بدوره في سرطان الثدي، ما يشير إلى أن العلاج قد يكون فعالاً في مجموعة أوسع من السرطانات.
أول تجربة على البشر
ويخضع الدواء حالياً لأول تجربة سريرية على البشر لاختبار سلامته وتأثيراته الجانبية لدى المرضى الذين يحملون طفرات في جيني RAS وHER2. ومن المتوقع أن تُظهر هذه المرحلة ما إذا كان العلاج قادراً على تحقيق نتائج مماثلة لتلك التي لوحظت في الحيوانات.
قال جوليان داونوارد، رئيس مختبر بيولوجيا الأورام في معهد كريك: "لقد كان استهداف RAS تحدياً منذ عقود بسبب آثاره الجانبية. ما أنجزناه هنا هو فصل إشارات النمو السرطاني عن الوظائف الطبيعية للخلايا، ما يجعل العلاج أكثر أماناً ودقة."
وأضاف مات باتريسيلي، الرئيس العلمي لشركة فيفيديون: "هذا الاكتشاف يفتح باباً جديداً لعلاج السرطان من خلال تصميم جزيئات ذكية تمنع الإشارات المسببة للورم دون المساس بالخلايا السليمة."
خطوة واعدة
يمثل هذا الإنجاز خطوة واعدة نحو جيل جديد من العلاجات الانتقائية للسرطان، حيث يمكن استهداف الجينات المسؤولة عن نمو الورم بدقة جراحية، مما يقلل من الأضرار الجانبية ويزيد من فرص نجاح العلاج. ومع بدء التجارب السريرية، يأمل العلماء أن يُحدث هذا الابتكار تحولاً حقيقياً في علاج السرطان خلال السنوات القادمة وفق ساينس ديلي.