برزت دبي بصفتها واحدة من أهم الوجهات العالمية لجذب أصحاب الملاءة المالية العالية، حيث تقدمت خمسة مراكز لتحتل المرتبة السابعة بين أغلى مدن العالم، والرابعة في منطقة أوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا، على الرغم من الارتفاع الطفيف لمتوسط الأسعار بالعملة المحلية بنسبة 1% فقط. وأصبحت الإمارة اليوم منافساً قوياً للمراكز التقليدية للثروات في هذه المنطقة مثل لندن وموناكو وزيورخ، وفقاً للتقرير العالمي للثروة ونمط الحياة 2025، الصادر عن جوليوس باير، البنك السويسري المتخصص بإدارة الثروات الصادر اليوم.
وكشف التقرير، عن تغير الأولويات لدى أصحاب الملاءة المالية العالية وسط تراجع الاستهلاك العالمي، وتفاقم الاضطرابات الجيوسياسية، والنزاعات التجارية الوشيكة. وعلى الرغم من اكتمال جمع البيانات قبل إعلان الولايات المتحدة عن رسومها الجمركية الجديدة، فإن نتائج التقرير ما زالت تشير إلى تحولٍ ملحوظ.
وتصدرت مدن منطقة أوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا التصنيف مرة أخرى، حيث تمثل الآن أكثر من نصف المراكز العشرة الأولى عالمياً. وتأتي لندن في صدارة تلك المدن، حيث تقدمت إلى المركز الثاني عالمياً، بينما جاءت موناكو وزيورخ في المركزين الرابع والخامس على التوالي، ليتقدم كل منهما مركزاً واحداً. وارتفعت دبي خمسة مراكز إلى المركز السابع، ما يعزز تنافسيتها القوية بين مراكز الثروة التقليدية. وحافظت ميلانو وفرانكفورت على مراكزهما نفسها، بينما تراجعت باريس قليلاً في التصنيف. أما جوهانسبرغ، فلا تزال في المركز الأخير رغم بعض الزيادات في الأسعار.
وسجل التقرير العالمي للثروة ونمط الحياة من جوليوس باير انخفاضاً لأول مرة منذ إطلاقه بنسبة 2% من حيث القيمة بالدولار الأمريكي، وهو تطور مفاجئ في قطاع كان يتفوق في معظم الأحيان على متوسط نمو الأسعار الاستهلاكية. كما انخفضت أسعار الخدمات بشكلٍ طفيف بنسبة 0.2%، بالتزامن مع تراجع أسعار السلع بنسبة 3.4%.
وتعليقاً على هذا الموضوع، قال كريستيان جاتيكر، رئيس قسم الأبحاث في جوليوس باير: «تعكس نتائج التقرير الوضع الراهن في ظل حالة عدم اليقين والاضطرابات التجارية والتعريفات الجمركية الأمريكية، بينما سيتناول التقرير المقبل المرحلة التي تلت إصدار هذا التقرير».
ولا يزال تصنيف المدن يشهد مستويات عالية من التنافس، حيث حافظت سنغافورة على مكانتها باعتبارها أغلى مدينة لأصحاب الملاءة المالية العالية على مستوى العالم، تليها لندن التي تقدمت إلى المركز الثاني، بينما جاءت هونج كونج في المركز الثالث. وشهد التصنيف تغييرات كبيرة في المراكز، حيث صعد كل من بانكوك وطوكيو ستة مراكز، وواصلت دبي تحقيق مراكز أعلى.
النتائج الإقليمية
وشهد الشرق الأوسط إقبالاً كبيراً على السلع التجريبية والمادية من السكان الأثرياء. وتمحور تركيزهم في المنطقة على الفنادق، وملابس الرجال وحقائب النساء الفاخرة، وتجارب تناول الطعام الراقية، والهواتف الذكية.
ولم تشهد الأسعار ضمن منطقة أوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا تقلبات كبيرة عموماً، حيث حافظت الأسعار بالعملة المحلية على استقرارها وتراجعت قليلاً في بعض المدن، مثل زيورخ. وجاءت الزيادة الأبرز للأسعار في المنطقة في باريس، حيث أسفرت الزيادة في تكاليف السفر وتجارب الضيافة عن ارتفاع بنسبة 5% على أساس سنوي. كما ارتفعت تكاليف التعليم الخاص في لندن نتيجة التغييرات التشريعية الأخيرة.
ونظراً لتنوع الاقتصادات واتساعها في المنطقة، من المرجح أن يكون هناك تباين ملحوظ في أدائها خلال العام المقبل، حيث تشير التوقعات إلى أن منطقة اليورو ستشهد نمواً طفيفاً وانخفاضاً إضافياً في التضخم، مقابل نمو قوي لدبي خلال العامين الجاري والمقبل بفضل ازدهار السياحة والتجارة والتمويل.
وحافظت سنغافورة على مكانتها بوصفها أغلى مدينة في العالم، مما يسلط الضوء على الأهمية المستمرة لمنطقة آسيا والمحيط الهادئ، التي شهدت انخفاضاً طفيفاً في الأسعار بنسبة 1% في جميع أنحائها، وبالتالي تكون الأكثر استقراراً بين جميع المناطق التي شملها التقرير هذا العام. وعلى صعيد التصنيف، حققت بانكوك وطوكيو الارتفاع الأكبر، حيث تقدم كل منهما ستة مراكز لتصلا إلى المركزين 11 و17 على التوالي، بينما تراجعت شنغهاي من المركز الرابع إلى السادس.
دبي تواصل تحقيق مراكز أعلى
إن التحول السريع الذي تحققه دبي لتصبح وجهة عالمية المستوى في مجال تجارب الرفاهية والأعمال والابتكار يسهم في تعزيز مكانتها بين أعلى المدن تصنيفاً على مستوى العالم. وتواصل دبي تحقيق مستويات أعلى من الازدهار رغم تراجع سوق أنماط الحياة الفاخرة العالمية وسط الاضطرابات الجيوسياسية والاقتصادية. وأفاد التقرير أنه ورغم استقرار عدد كبير من الأسعار في دبي العام الماضي، حدثت زيادة كبيرة في السلع عالية التكلفة مثل السيارات (بزيادة 13%) والعقارات السكنية (بزيادة 17%)، مما أثر على التكلفة الإجمالية للمعيشة للأثرياء.
وسجلت سوق العقارات في دبي نمواً استثنائياً خلال عام 2024، حيث ارتفعت قيمة المبيعات العقارية بنسبة 27% على أساس سنوي، والذي يمثل أحد المؤشرات على الإقبال المتزايد عليها باعتبارها وجهة للإقامة طويلة الأمد لأصحاب الملاءة المالية العالية وعائلاتهم، والذين انتقل عدد منهم للإقامة في دبي.
ومن المتوقع أن يستمر زخم انتقال أصحاب الملايين إلى دبي، والذي بدأ خلال أزمة كوفيد 19 ليتجاوز صافي التدفق الداخل نظراءه في جميع الدول الأخرى، مما يرسخ مكانة دبي بصفتها وجهة رائدة للنخبة العالمية. كما أشار تقرير شركة هينلي آند بارتنرز إلى أن طلبات الحصول على تأشيرة إقامة خلال العقد الماضي شهدت ارتفاعاً في عدد أصحاب الملايين المقيمين في دبي بنسبة 102%.
وتسهم عوامل عدة في تعزيز مكانة دبي، بما فيها بيئتها الضريبية المواتية وجودة الحياة العالية وبرامج الإقامة الاستشرافية مثل التأشيرات الذهبية وتأشيرات رواد الأعمال، بالإضافة إلى كونها مركزاً مالياً عالمياً رائداً، حيث شهد مركز دبي المالي العالمي نمواً غير مسبوق، مع زيادة الشركات النشطة العاملة فيه خلال عام 2024 بنسبة 25%.
وتسير دبي بخطى ثابتة نحو المستقبل، بالتوازي مع التوقعات بتحقيق نمو اقتصادي كبير في عام 2025 والجهود الحثيثة لتنفيذ مستهدفات أجندة دبي الاقتصادية D33 الطموحة لمضاعفة اقتصاد الإمارة بحلول عام 2033. كما تعمل على ترسيخ مكانتها بصفتها وجهة رائدة في مجال الصحة والرفاهية وتطوير البنى التحتية المستدامة. وفي سياق الزيادة المتوقعة في عدد السكان الذين تتجاوز أعمارهم 60 عاماً بنسبة 29% بحلول عام 2050، تعمل دبي على تطوير منظومة خدمات الرعاية المقدمة لكبار السن لتقديم المستويات المتقدمة نفسها من الرفاهية في جميع مراحل الحياة والعناية بكل جانب من جوانب صحة المقيمين.
وشرعت دبي في حصد ثمار جهودها الرامية إلى ترسيخ مكانتها مدينة مبتكرة وذات رؤية مستقبلية توفر أرفع مستويات المعيشة. فقد سجل مطارها الدولي رقماً قياسياً بلغ 92.3 مليون مسافر في عام 2024، مما يجعله الأكثر إشغالاً في العالم للرحلات الدولية؛ مع توقعات بتحقيق مزيد من النتائج الإيجابية بفضل الجهود الحالية لإجراء تحديث شامل للمطار الثاني في الإمارة. وبالنظر إلى مسارها التصاعدي حالياً، فمن المرجح أن تحقق دبي أحد المراكز الثلاثة الأولى في السنوات المقبلة. وتشير الوقائع إلى أن الإمارة ستحافظ على جاذبيتها الكبيرة رغم ارتفاع تكلفة المعيشة الفاخرة فيه، بالتوازي مع تزايد أعداد المقيمين من أصحاب الملاءة المالية العالية.
توقعات إيجابية
وقال ريشاب ساكسينا، الرئيس المشارك لقسم متخصصي فئات الأصول العالمية في بنك جوليوس باير: «لا تزال اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي تظهر مرونة كبيرة أمام ترنح بيئة الاقتصاد الكلي على مستوى العالم والاضطرابات الجيوسياسية الإقليمية. ورغم تراجع نمو القطاعات النفطية، تبقى التوقعات الأوسع لعام 2025 إيجابية، مدفوعة بالأداء القوي لهذه القطاعات، ووجود احتياطيات مالية قوية، واستمرار الالتزام بالإصلاحات الاقتصادية».
وحافظ الاقتصاد الإماراتي على زخمه القوي، فقد نما الاقتصاد غير النفطي في أبوظبي بنسبة 8.6% في عام 2024، مدعوماً بمساهمة القطاعات غير النفطية بنسبة تجاوزت 55% من الناتج المحلي الإجمالي. كما تواصل دبي تصدر قائمة المدن التي تسجل تعافياً في قطاعي الخدمات والسياحة في المنطقة، حيث تخطت أعداد الزوار 22 مليوناً في عام 2025. وتحقق مطارات دبي، أحد أكثر المراكز إشغالاً على مستوى العالم، نجاحاً تلو الآخر وتحظى بمكانة بارزة بصفتها بوابة لأنشطة التجارة والسياحة الدوليتين، وتسهم في ترسيخ حضور الإمارة باعتبارها مركز ربط عالمي.
وتسلط الأهمية المتزايدة التي تحظى بها المراكز المالية مثل مركز دبي المالي العالمي وسوق أبوظبي العالمي الضوء على الدور المتنامي الذي تلعبه دولة الإمارات بصفتها مركزاً إقليمياً للاستثمار ورأس المال الخاص والتمويل العالمي. وتتصدر هذه المراكز بصورة متزايد جهود الابتكار، لا سيما في مجالات الأصول الرقمية والتكنولوجيا المالية والذكاء الاصطناعي، التي أصبحت الركائز الجديدة للاقتصادات المتنوعة المواكبة للمستقبل.
وتشهد المنطقة أيضاً تدفقاً كبيراً للكفاءات ورؤوس الأموال العالمية، حيث تحظى دول مجلس التعاون الخليجي، لا سيما دولة الإمارات، بالتقدير بوصفها وجهات آمنة ومستقرة للعائلات والحفاظ على الثروات. وتسهم برامج الإقامة طويلة الأمد والرعاية الصحية المتقدمة والتعليم عالي الجودة وبيئة الأعمال المواتية في تسريع هجرة الثروات وتعزيز جاذبية المنطقة.
وباختصار، من المتوقع أن تحافظ منطقة الشرق الأوسط، وعلى رأسها دول مجلس التعاون الخليجي، على فائضها الكبير في الحسابات المالية والجارية، رغم التحديات الاقتصادية الخارجية. ولا يزال التضخم في أدنى مستوياته بالنسبة للأسواق الناشئة، ويسهم النهج الاستباقي الذي تعتمده المنطقة تجاه الابتكار وتطوير البنية التحتية وتعزيز ثقة المستثمرين، في تعزيز مكانتها باعتبارها وجهة أساسية للنمو في ظل اقتصاد عالمي يتسم بالانقسام المتزايد.
أبرز تطورات الأسعار في المؤشر
يعكس مؤشر عام 2025 توجهات متباينة في مختلف الفئات. فقد شهد قطاع التكنولوجيا أكبر انخفاض في الأسعار عالمياً (-22.6%) نتيجة تخفيض أسعار بعض المنتجات مثل أجهزة ماك بوك. وفي المقابل، سجلت تذاكر الطيران من درجة الأعمال أكبر ارتفاع في الأسعار (+18.2%)، مدفوعة بتغير نماذج أعمال شركات الطيران، ومحدودية المعروض من الطائرات، واستمرار الطلب على تجارب السفر الفاخرة. كما ارتفعت تكاليف التعليم الخاص بشكل كبير (+5.1%)، لا سيما في لندن نتيجة التغييرات التي أجرتها حكومة المملكة المتحدة على ضريبة القيمة المضافة لرسوم المدارس الخاصة. وشهدت صناعة الساعات زيادة طفيفة بلغت 5.6%، مما يعكس استمرار الطلب على الطرازات النادرة ذات القيمة الاستثمارية.
نتائج استبيان نمط الحياة
تظهر النسخة الرابعة من استبيان نمط الحياة من بنك جوليوس باير حدوث تحولات كبيرة في مواقف وسلوكيات أصحاب الملاءة المالية العالية حول العالم. ففي ظل تفاقم الاضطرابات الجيوسياسية وحالة عدم اليقين على الصعيد الاقتصادي، يزيد توجه الأثرياء نحو الاعتدال بين الرغبة في خوض تجارب ممتعة ووضع خطط مستقبلية طويلة الأمد.
وتتمثل إحدى النتائج المهمة لهذا العام في التركيز شبه العالمي على طول العمر. فقد قال ما بين 87% (في أمريكا الشمالية) و100% (في منطقة آسيا والمحيط الهادئ) من المشاركين إنهم يتخذون خطوات كبيرة لإطالة أعمارهم، بدءاً من اعتماد أنماط حياة صحية ووصولاً إلى تجربة علاجات متطورة مثل العلاج الجيني والعلاجات بالتبريد. كما يكتسب الاستقرار المالي طويل الأمد اهتماماً متزايداً، حيث أشار معظم المشاركين إلى أنهم سيقومون بتعديل استراتيجيات ثرواتهم في حال وجود توقعات وصولهم إلى أعمار أطول.
ولا يزال تكوين الثروة أولوية قصوى على مستوى العالم، ولكن المحافظة عليها باتت موضوعاً بارزاً اليوم، لا سيما في أوروبا وأمريكا الشمالية، حيث يسود نهج استثماري أكثر تحفظاً. وفي المقابل، يواصل أصحاب الملاءة المالية العالية في منطقة آسيا والمحيط الهادئ والشرق الأوسط وأمريكا اللاتينية توخي مستويات أعلى من المخاطر وتنويع محافظهم بما يتماشى مع القيم الشخصية والتوجهات العالمية الناشئة. أما في الشرق الأوسط، فبرزت العقارات (18%) والأسهم (13%) بصفتها فئات الأصول المفضلة لدى أصحاب الملاءة المالية العالية العام الماضي.
وبصورة عامة، يؤكد التقرير أيضاً استمرار التحول من الاستهلاك المادي نحو التجارب. وعلى الرغم من تراجع مستوى الإنفاق على السلع الفاخرة، يبقى الطلب قوياً على تجارب الطعام الراقية وتجارب السفر الحصرية والتجارب المخصصة، مما يعكس وجود تغير أوسع في نظرة أصحاب الملاءة المالية العالية نحو التجارب الفاخرة، حيث يتزايد تركيزهم على نمط الحياة والرفاهية والتجارب المميزة بدلاً من الممتلكات.