الشبكة العربية للأنباء
الرئيسية - دولي - كيف سيبدو الاقتصاد العالمي بدون الدولار؟

كيف سيبدو الاقتصاد العالمي بدون الدولار؟

الساعة 03:37 مساءً

 

 

منذ موجة الرسوم الجمركية التي يحركها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، يتصرف الدولار وكأنه عملة سوق ناشئة، وليس كمرساة النظام النقدي العالمي. وهناك تقارير عديدة تشير إلى أن المستثمرين الدوليين بدأوا بالفعل في البحث عن بدائل للدولار. لكن، إذا كانت سيطرة الدولار على وشك أن تتراجع فعلاً، فما الذي سيأتي بعده؟

في تقرير تحليلي موسّع نشرته صحيفة «فايننشال تايمز»، يستعرض الكاتب مارتن ساندبو السيناريوهات المحتملة للاقتصاد العالمي في حال فقد الدولار الأميركي مكانته كمحور النظام النقدي العالمي. فبعد عقود من الهيمنة، يواجه الدولار اليوم تحديات جدية، ليس فقط بسبب اضطرابات السياسة التجارية الأميركية، بل أيضاً بفعل تغيّرات هيكلية في موازين القوى النقدية حول العالم.

في الواقع يشهد العالم اليوم ما قد يكون أكبر تحول في النظام النقدي العالمي منذ صدمة «نيكسون» عام 1971 التي أنهت ارتباط الدولار بالذهب. فالدولار، الذي لطالما كان العملة المرجعية في التجارة والتمويل وتداول العملات واحتياطيات البنوك المركزية، بات يتصرف – منذ أبريل الماضي – كأنه عملة سوق ناشئة لا كمرساة عالمية، وفق الكاتب.

هذا التراجع لا يرتبط فقط بإدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، بل يعود إلى تغيّرات بدأت قبل سنوات، أبرزها صعود اليوان الصيني، وتوسّع استخدام العملات المشفّرة، والجهود الدولية لبناء أنظمة تسوية بديلة لا تعتمد على الدولار.

في مقابلة مع «فايننشال تايمز»، يرى الاقتصادي الشهير كينيث روجوف أن العالم يتجه نحو نظام نقدي ثلاثي الأقطاب تقوده كل من الدولار، واليوان، واليورو. لكن هذه التعددية قد لا تكون نعمة، بل تنذر بفوضى مالية قد تقوّض العولمة كما نعرفها.

ويحذر روجوف من أن فقدان الدولار لمكانته سيؤدي إلى رفع أسعار الفائدة، وإضعاف فعالية العقوبات الأميركية، وزيادة تقلبات أسواق الصرف. كما أن انسحاب الدولار من دوره كأصل آمن في الأسواق العالمية سيجعل التجارة الدولية أكثر تكلفة، ويؤدي إلى تراجع في حجم المعاملات العابرة للحدود.

بدوره، يؤكد المؤرخ الاقتصادي باري آيشنغرين، الذي استشهد به ساندبو في التقرير، أن لا عملة حالياً يمكنها أن تؤدي وظائف الدولار بنفس الكفاءة، لا في التسعير، ولا في التمويل، ولا في السيولة. وبالتالي، فإن تراجع الثقة في الدولار سيزيد من تكاليف التعاملات الدولية، ما يعني عمليا تراجعا في العولمة نفسها.

ويتفق معه الاقتصادي جان-بيير لاندو، الذي كتب مؤخراً مقالًا بعنوان «عالم بلا أصول آمنة»، وحذّر فيه من أن اختفاء الدولار كمرجعية للتسعير سيؤدي إلى فوضى في الأسواق، وزيادة في علاوات المخاطر، وارتفاع حاد في أسعار الفائدة العالمية.

يتوقع ساندبو أن تؤدي هذه التغييرات إلى نشوء نظام نقدي دولي جديد، يقوم على تقليص انفتاح رؤوس الأموال، وتعزيز سيطرة الدول على تدفقات الأموال، وربما حتى العودة إلى ما يشبه «القمع المالي» لتوجيه الموارد داخل الاقتصاد.

لكن هذا النظام لن يكون شبيها تماما بفترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، إذ تلعب التكنولوجيا الرقمية اليوم دورا حاسما. وقد تظهر ما يعرف بـ«مناطق العملة الرقمية»، حيث لا تهيمن عملة واحدة على القيمة، بل تحكمها شبكات رقمية مترابطة قائمة على العملات المستقرة والمشفرة.

في ختام تقريره، يشير مارتن ساندبو إلى مفارقة لافتة: رغم كل الانتقادات الموجهة للعولمة المالية، فإن العالم قد يندم على فقدان الدولار. وحتى اللحظة، لا اليورو ولا اليوان جاهزان لتحمّل عبء أن يكونا البديل الشامل. لكن في حال ظهور قوة نقدية مستعدة للقيام بالدور، فإن العالم سيرحّب بها فورا. فكما كتب الفيلسوف والمفكر توماس هوبز قبل أربعة قرون: «الهيمنة أفضل من الفوضى» – حتى في المجال المالي.