على الرغم من إفراطها في استخدام القوة والعنف كوسيلة لفرض أجواء من الترهيب العام تحول دون اندلاع انتفاضة واسعة بصنعاء والمحافظات الأخرى غير المحررة، فإن مظاهر الرفض الشعبي لاستمرار جماعة الحوثي كسلطة أمر واقع تفتقد للحد الأدنى من القدرة على إدارة الشؤون العامة، تشهد تنامياً وتنذر بتداعيات عاصفة ووشيكة.
استخدام الحوثيين للقبضة الأمنية في مواجهة أي أنشطة احتجاجية علنية كالمسيرات الجماهيرية والاعتصامات المفتوحة وحتى محاولات الإضراب الجزئي عن العمل في بعض المؤسسات الحكومية، لم يحل دون الظهور اللافت لأنماط مغايرة من التصعيد الشعبي المعبر عن حالة من الاحتجاج والرفض الصارخ للسلطة القسرية التي فرضها الانقلاب المسلح على السلطة الشرعية في 21 سبتمبر 2014.
وتسبب تفاقم الأوضاع المعيشية لسكان العاصمة صنعاء والمحافظات الخاضعة لسيطرة الميليشيات والتي وصلت إلى حدود كارثية، جراء سوء إدارة الحوثيين وفرضهم لقرارات وإجراءات قسرية ذات طابع ارتجالي يفتقد للموضوعية من قبيل الحظر التام لتداول الطبعات الجديدة من الفئات النقدية الصادرة عن البنك المركزي بعدن، بتصاعد ملحوظ لأنماط فردية ومؤثرة من مظاهر الاحتجاج العلني.
ومن تلك المظاهر لجوء مواطن بسيط يدعى جمال الضبيبي إلى إضرام النيران في جسده أمام البوابة الرئيسية للقصر الجمهوري بصنعاء كخيار اضطراري فرضته حالة من الشعور بالهزيمة النفسية بعد أن تعرضت قطعة أرض يملكها للنهب بالسطو المسلح من قبل قيادي حوثي نافذ، ليتكرر ذات المشهد الاحتجاجي المؤلم في «حي حدة»، الذي يعد من أرقى الأحياء السكنية بالعاصمة؛ حيث أصيب شاب ثلاثيني يعول أسرة كبيرة بحروق بالغة جراء قيامه بإشعال النيران في جسده بشكل علني كوسيلة للخلاص من إحساس طافح بالقهر بسبب عجزه عن توفير الاحتياجات الضرورية لعائلته ورفضه للخيار الوحيد الذي عرضه الحوثيون عليه بالانضمام لصفوف الميليشيات والمشاركة في القتال بالجبهات.
وفي المشهد الرافض لجأ أحد الأشخاص إلى طريقة لا تخلو من الطرافة المشوبة بتراجيديا محزنه في التعبير عن احتجاجه على تفاقم الأوضاع المعيشية والإجراءات القسرية التي فرضها الحوثيون لمنع تداول الطبعة الجديدة من الفئات النقدية، وذلك بحشر جسده في أحد «القبور» الفارغة الذي يتوسط مقبرة عامة بصنعاء ورفضه الخروج منه، مبرراً موقفه بعبارة بالقول بصوت متهدج «قد الموت أفضل ولا هذا العمر».
تعليقاً على ذلك اعتبر الأكاديمي اليمني المتخصص في علم الاجتماع الدكتور عبد الرحمن أحمد المقرمي في تصريح ل«الخليج»، أن زيادة الضغط يولد الانفجار مرجحاً اندلاع انتفاضة شعبية ضد جماعة الحوثي وطريقتها العبثية وغير المسؤولة في إدارة شؤون المناطق التي تسيطر عليها الميليشيات وعدم التزامها بمسؤوليتها القانونية كسلطة أمر واقع.
وأشار المقرمي إلى أن تفاقم الأوضاع المعيشية المستمر وإسهام الحوثيين في إضفاء المزيد من المعاناة على كاهل سكان المناطق التي يسيطرون عليها من خلال فرضهم لقرارات وإجراءات غير مبررة تؤثر بشكل مباشر في الهامش المعيشي المحدود للناس، سيدفع بالضرورة إلى حالة احتقان واسعة وهو ما سيترتب عنه تصاعد مظاهر السخط والرفض الشعبي واندلاع انتفاضة عارمة كنتاج لحالة من الكبت والرغبة الجامحة في الخلاص والتحرر من سلطة قسرية فاسدة وفاشلة.